الأربعاء، ٩ ربيع الآخر ١٤٤٧ هـ
الأربعاء، ١ أكتوبر ٢٠٢٥
facebookinstagramtwitter

علامات استجابة الدعاء

Prophet Img!

علامات استجابة الدعاء من أعظم ما يترقبه قلب المؤمن بعد أن يرفع يديه إلى السماء متضرعًا إلى الله جل وعلا علامات استجابة الدعاء تبث في النفس السكينة والرضا وتشعل في القلب نور الأمل والثقة بوعد الله سبحانه وتعالى الذي قال في محكم تنزيله ادعوني أستجب لكم فمن أعظم دلائل الإيمان أن يظل العبد مترقبًا لإشارات وعلامات استجابة الدعاء بعين الرضا واليقين

عندما يدعو المسلم ربه بصدق وإخلاص ينتظر من مولاه أن يكرمه بعطائه أو يصرف عنه بلاءً أو يدخر له الخير ليوم الحساب ولهذا كانت علامات استجابة الدعاء موضع اهتمام عظيم بين الناس لما تحمله من رسائل إلهية خفية أو ظاهرة تدل على قبول الدعاء واستجابته سواء كانت علامات تظهر في راحة القلب وسكينة النفس أو في تيسير الأمور وانشراح الصدر أو بتحقق المطلوب بشكل مباشر وميسر

وتتنوع علامات استجابة الدعاء بحسب حال العبد وما يناسبه من الخير فقد تظهر في سرعة إجابة الدعاء ورؤية النتائج عيانًا وقد تكون في إحساس عميق بالطمأنينة والثقة أن الله اختار له الخير ولو لم يرَه بعد وقد تكون في صرف الشر أو البلاء من طريقه دون أن يعلم أن ما حصل له كان هو عين الاستجابة التي طلبها دون أن يدري

إن معرفة علامات استجابة الدعاء تزيد من ثبات المؤمن في طريقه وتجعله أكثر قربًا من ربه وأكثر حرصًا على حسن الظن بالله فالله كريم لا يرد سائلا ولا يخذل داعيا بل يعطي ويكرم إما عاجلا أو آجلا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث إما أن يعجل له دعوته أو أن يدخرها له في الآخرة أو أن يصرف عنه من السوء مثلها

ولهذا فإن التأمل في علامات استجابة الدعاء ومعرفة دلائلها يمنح العبد قوة روحية عظيمة ويزيده ثقة بأن كل دعوة خرجت من قلبه قد سُجلت في كتاب كريم ولم تضع سدى بل كانت مفتاح خير عظيم سيأتيه في وقته المناسب بإذن الله تعالى

 ما هي علامات استجابة الدعاء؟ 

علامات استجابة الدعاء هي الإشارات التي يمنّ الله بها على عباده لطمأنة قلوبهم بأن دعاءهم قد قُبل، سواء بتحقيق المطلوب، أو بصرف شر، أو بادخار الأجر في الآخرة. وقد وردت في السنة النبوية وأقوال العلماء إشارات إلى بعض هذه العلامات، منها:

1. الخشوع والبكاء أثناء الدعاء

من علامات استجابة الدعاء أن يشعر الداعي بخشوع قلبه، وانكسار نفسه، وانهمار دموعه أثناء الدعاء. قال ابن الجزري في الحصن الحصين: علامة استجابة الدعاء الخشية، والبكاء، والقشعريرة، وربما تحصل الرعدة، والغشي، والغيبة . 

2. سكون القلب وراحة النفس بعد الدعاء

يشعر الداعي بعد الانتهاء من دعائه بسكينة في القلب، وراحة في النفس، واطمئنان بأن الله قد استجاب له. وهذا من العلامات التي ذكرها العلماء، حيث قالوا: ويكون عقيبه سكون القلب، وبرد الجأش، وظهور النشاط باطناً، والخفة ظاهراً، حتى يظن الداعي أنه كان على كتفيه حملة ثقيلة فوضعها عنه . 

3. تحقيق المطلوب أو صرف مكروه

قد يرى الداعي تحقق ما دعا به، أو يُصرف عنه مكروه كان سيصيبه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها . 

4. الرؤى المبشرة

قد يرى الداعي في منامه رؤى تبشره باستجابة دعائه. ولكن يجب الحذر من الاعتماد الكلي على الرؤى، فقد تكون من حديث النفس أو من الشيطان. وقد ورد في الحديث: الرؤيا ثلاثة: فرؤيا صالحة بشرى من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا مما يحدث المرء نفسه .

5. الاستمرار في الطاعة بعد الدعاء

من علامات استجابة الدعاء أن يُوفق الداعي للاستمرار في الطاعات والعبادات بعد دعائه، ويشعر بنشاط في أداء العبادات، وهذا دليل على قبول دعائه.

6. الشعور باليقين والثقة بالله

يشعر الداعي بعد دعائه بيقين وثقة في أن الله سيستجيب له، وهذا من علامات الإيمان القوي. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة .

هذه بعض العلامات التي قد يشعر بها الداعي بعد دعائه، وهي ليست حصرية، فقد يمنّ الله على عبده بعلامات أخرى. والأهم من ذلك هو الاستمرار في الدعاء، وعدم اليأس، والثقة بأن الله سيستجيب في الوقت الذي يراه مناسباً.

مفهوم استجابة الدعاء في الإسلام

في الإسلام، يعتبر الدعاء عبادة عظيمة تظهر حاجة العبد إلى ربه، وثقته به، وتعلقه برحمته وقدرته. وقد وعد الله عز وجل عباده بالإجابة، فقال تعالى:
﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ [غافر: 60].

ومع هذا الوعد، يجب أن يدرك المسلم أن استجابة الدعاء لا تعني بالضرورة أن ينال ما طلبه بنفس الصورة أو التوقيت الذي أراده. فالله سبحانه حكيم عليم، يعطي عباده ما يناسبهم، وقد يؤخر عنهم أو يمنع عنهم ما ليس فيه خير لهم.

ولهذا بيّن النبي ﷺ أن لاستجابة الدعاء ثلاث صور رئيسية، وهي:

١. تحقق المطلوب كما دعي به

  • الشرح: أن يعطي الله العبد ما دعا به بنفس الصورة أو قريبا منها، ويحقق له حاجته في الدنيا كما طلبها.

  • مثال: أن يدعو العبد بالرزق أو الشفاء أو التوفيق، فيرى أثر ذلك عيانًا في حياته في وقت قريب.

  • النتيجة: يشعر الداعي بالفرح والطمأنينة ويزداد يقينه بقدرة الله ورحمته.

٢. دفع بلاء كان سيصيبه

  • الشرح: أحيانا يكون في القدر بلاء أو مصيبة كانت ستصيب الإنسان، ولكن ببركة دعائه يصرفها الله عنه دون أن يعلم بها.

  • مثال: قد يكون مكتوبا أن يتعرض العبد لحادث أو مرض، ولكن دعاءه الصادق يدفع هذا البلاء فلا يقع به أذى.

  • النتيجة: قد لا يشعر العبد بأن دعاءه قد تحقق ظاهريا، ولكنه في الحقيقة قد حُفظ من مصيبة عظيمة بفضل دعائه.

٣. ادخار الأجر إلى يوم القيامة

  • الشرح: قد يؤخر الله تعالى استجابة دعاء العبد ويجعله له ذخرا في الآخرة، حيث ينال به أجرا عظيما وثوابا أعظم مما لو تحقق له مطلوبه في الدنيا.

  • مثال: يدعو الإنسان بدعوة صادقة ولا يتحقق له ما دعا به في الدنيا، ولكن يوم القيامة يجد أن الله قد أعد له بها من الحسنات والدرجات العالية ما يسر قلبه.

  • النتيجة: تكون النعمة أعظم والأجر أكبر مما كان يتصوره العبد في الدنيا.

أهمية إدراك هذه المعاني

  • عدم استعجال الإجابة: معرفة هذه الصور الثلاث تجعل المسلم يصبر ولا ييأس من الدعاء ولا يظن أن الله لم يستجب له، بل يعلم أن الله قد أجابه بطريقة تناسبه.

  • التمسك بالدعاء: الاستمرار في الدعاء يزيد العبد قربا من ربه، فالدعاء عبادة بحد ذاته حتى قبل تحصيل النتيجة.

  • زيادة اليقين برحمة الله وعدله: حين يدرك المسلم أن كل دعوة ترفع إلى الله لا تضيع، يزداد يقينه بعدل الله وحكمته، ويطمئن قلبه أن الله يريد له الخير سواء رأى أثر الدعاء أو لم يره في حياته الدنيا.

استجابة الدعاء في الإسلام ليست مرتبطة فقط بتحقيق الطلب كما نريده نحن، بل قد تكون في صورة دفع ضرر عنا، أو ادخار أجر لنا في الآخرة.
هذه الفهم العميق يجعل المؤمن دائم الاتصال بربه بالدعاء، واثقًا أن كل دعوة صادقة محفوظة عند الله، وستعود عليه بالخير عاجلا أو آجلا.

العلامات القلبية والروحية لاستجابة الدعاء

حين يرفع المسلم يديه إلى السماء ويتوجه إلى الله بقلب خاشع ونفس منكسرة، تبدأ رحلة عظيمة بين العبد وربه. وقد يمن الله على الداعي بإشارات قلبية وروحية تبث في نفسه الطمأنينة، وتهمس لقلبه أن دعاءه لم يضيع هباء. هذه الإشارات لا تكون شرطًا لاستجابة الدعاء، لكنها هدايا ربانية، إشارات نورانية تخبرك أن روحك قد وصلت إلى باب الإجابة، وأن رحمة الله قريبة جدًا منك.

الخشوع الشديد أثناء الدعاء

من أولى العلامات التي قد يشعر بها العبد أثناء دعائه هو الخشوع الشديد، ذاك الشعور الذي يملأ القلب بالخضوع التام لجلال الله وعظمته.
عندما يدعو العبد بصدق، يشعر وكأن الدنيا كلها تتلاشى من حوله، ويصبح كأنه وحده بين يدي الله. ينبض قلبه بخشية عظيمة، وتسيل دموعه بخشوع صادق لا إرادي.هذا الخشوع العميق علامة قوية على أن القلب قد تخلص من شواغل الدنيا واتصل بالسماء مباشرة، وكلما زاد الخشوع ازداد قرب الداعي من لحظة الاستجابة، فالله لا يرد قلبًا جاءه منكسرا متضرعا خاشعًا.

البكاء أو التأثر العميق أثناء الدعاء

من العلامات الروحية المؤثرة أيضًا البكاء الصادق أثناء الدعاء. فحين يبكي الإنسان في لحظة دعاء، يكون البكاء علامة على حضور القلب وصفاء النية.
إنها دموع صادقة ليست بكاء حزن دنيوي، بل بكاء المحبة والخشية والخضوع لله.
هذا التأثر العميق يشير إلى ذوبان الكبرياء الإنساني أمام جلال الخالق، وإلى الصدق التام في الطلب، وكأن العبد يقول بقلبه قبل لسانه: يا رب، لا أملك إلا أنت.
وقد ثبت في الحديث أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: رجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه.

الشعور بالقشعريرة أو الارتجاف

كثير من الصالحين وصفوا لحظات دعائهم بأنها كانت مصحوبة بـ قشعريرة قوية تسري في الجسد، أو ارتجاف خفيف عند تلاوة الأذكار وأسماء الله الحسنى.
هذه القشعريرة ليست مجرد ظاهرة جسدية، بل هي إشارة من الروح أن القلب قد تجاوب مع عظمة الله وتقديسه.
إنها دليل على أن الروح قد استشعرت حضرة الله بقوة، وأن الكلمات الخارجة من اللسان كانت صدى لحالة روحية عالية يعيشها الإنسان في تلك اللحظة.

راحة النفس وسكون القلب بعد الدعاء

من أجمل ما يشعر به العبد بعد الانتهاء من دعائه هو راحة نفسية عميقة وسكون قلبي كامل.
ينتهي من دعائه وكأن جبلاً من الهموم قد أُزيح عن صدره، يحس بخفة غريبة، وانشراح لا يوصف.
هذه الراحة ليست نتيجة فقط للفضفضة والشكوى، بل هي ثمرة وعد إلهي: أن الله يسمع الدعاء ويطمئن قلوب عباده، فهي طمأنينة من الله يُلقيها في قلب عبده ليقول له بطريقة لا تُسمع بالأذن ولكن تُفهم بالقلب: لقد سمعتك.. فلا تحزن.

تفاؤل غريب وانشراح الصدر بعد الدعاء

أحيانًا بعد الدعاء يشعر الإنسان بتفاؤل قوي، بانشراح صدر ليس له تفسير مادي.
يشعر وكأن نورًا دخل قلبه وأضاءه. لا يرى شيئا قد تغير حوله، ولكن داخله تغير تمامًا.
هذا التفاؤل علامة روحانية عظيمة على أن الله قد بشر عبده في قلبه بأن الخير قادم وأن الله قد كتب له بركة دعائه.
يشعر بأن اليأس الذي كان يسكنه قد تبدد، وأن الرجاء والأمل قد استقرا في قلبه مكانه.
وهذا الانشراح القلبي يثبت العبد ويقويه ليواصل دعاءه بإصرار وثقة.

تذكير مهم للمؤمن

رغم هذه العلامات القلبية الجميلة والعميقة، إلا أن المؤمن يجب أن يظل متعلقًا بربه سواء رأى هذه العلامات أم لم يرَها.
فالإيمان بالغيب معناه أن ندعو الله بيقين، لأن الله وعدنا بالإجابة، ولأن رحمة الله أوسع من أن تُقاس بمشاعرنا.
علينا أن نعلم أن الإجابة قد تكون مرئية في الدنيا، أو مدخرة لنا في الآخرة، أو حفظًا من بلاء لا ندريه.
فمن ذاق حلاوة الدعاء علم أن القرب من الله هو الجائزة الكبرى، سواء تحققت مطالب الدنيا أم لا، فالله لا يخيب من وثق به.

أوقات وأحوال يُستحب فيها الدعاء

من رحمة الله سبحانه وتعالى وفضله العميم على عباده أن فتح لهم أبواب الرحمة وجعل لهم مواسم وأوقاتًا عظيمة يُستحب فيها الدعاء، وتكون الإجابة فيها أرجى وأقرب بإذنه تعالى. إن الدعاء عبادة عظيمة تُظهر افتقار العبد إلى ربه، ولذا حثّ الإسلام على اغتنام الأوقات الفاضلة التي تزداد فيها فرص القبول وتتنزل فيها الرحمات.

من أعظم الأوقات التي يُستحب فيها الدعاء ويُرجى فيها القبول الثلث الأخير من الليل، ففي هذا الوقت المبارك ينزل الله جل وعلا إلى السماء الدنيا نزولًا يليق بجلاله وكماله، وينادي عباده: هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأجيبه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟، فهذه ساعة صفاء وخلوة بين العبد وربه، ساعة تغمرها السكينة وتعلو فيها الأرواح إلى مقامات القرب. من يحرص على الدعاء في هذا الوقت يجد أثره وبركته في دنياه وآخرته، فإن السهر لذكر الله والمناجاة في جوف الليل من علامات الإخلاص وحياة القلب.

ومن الأوقات العظيمة التي يُستحب فيها الدعاء ما يكون بين الأذان والإقامة، ففي هذا الفاصل الوجيز بين النداء إلى الصلاة وإقامتها يفتح الله أبواب القبول ولا يرد الدعاء، كما صح عن النبي ﷺ أنه قال: الدعاء بين الأذان والإقامة لا يُرد، فليحرص المسلم أن يجعل له دعوات خالصة في هذا الوقت، يسأل الله بها حاجاته الدنيوية والأخروية، ويتوسل إليه بأسمائه وصفاته.

السجود هو أيضًا من أرجى أحوال الدعاء، إذ يكون العبد في أقرب حالاته إلى ربه عز وجل، كما أخبر بذلك النبي ﷺ: أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء، فالسجود موطن الخضوع والانكسار لله، ومن عظمة هذا الموضع أن فيه تتجلى عبودية العبد بكمالها، خاضعًا ذليلًا بين يدي ربه، متوسلًا متضرعًا، يرجو رحمته ويخشى عذابه، فما أكرم أن يستغل العبد سجوده للدعاء والابتهال بكل ما يحب أن يُحقق له.

ويوم الجمعة من الأيام التي تحفها البركة، وقد جعل الله فيه ساعة لا يُصادفها عبد مسلم يسأل الله شيئًا إلا أعطاه إياه، وقد رجّح كثير من العلماء أن هذه الساعة تكون آخر ساعة بعد العصر قبل المغرب. فما أعظم أن يُقبِل العبد في هذا اليوم، خاصة بعد صلاة العصر، على الدعاء والتضرع، مستغلًا هذه اللحظات الغالية التي لا تتكرر إلا مرة في الأسبوع.

كما أن من الأحوال التي يُستحب فيها الدعاء عند نزول المطر، فهو وقت رحمة تتنزل فيه الخيرات من السماء، ويكون فيه الرجاء أكبر بأن يستجيب الله دعوات عباده. كذلك يُستحب الدعاء أثناء السفر، لما فيه من مشقة وتعب وانكسار، وهذه الحال تكون قريبة من استجابة الدعاء كما أخبر النبي ﷺ أن دعوة المسافر لا تُرد. وكذلك الحال أثناء الصيام، خاصة عند الإفطار، حيث يكون الصائم قد جمع بين الطاعة والإخلاص والافتقار إلى الله، فيرجى أن يكون دعاؤه في هذه اللحظة مستجابًا.

إن تحري هذه الأوقات المباركة والاجتهاد فيها بالدعاء بإخلاص ويقين، مع حسن الظن بالله والتوكل عليه، من أعظم أسباب نيل الفرج وتحقيق المنى. وعلى المسلم أن يكثر من الدعاء في كل وقت وحين، ولكن عليه أن يغتنم هذه اللحظات التي جعلها الله مواسم خير ورحمة، عسى أن يُفتح له فيها باب من أبواب القبول لا يغلق أبدًا بإذن الله تعالى.

موانع استجابة الدعاء

كما أن لله سبحانه وتعالى سننًا في تحقيق الإجابة وأسبابًا تعجّل بقبول الدعاء، فقد جعل كذلك موانع تحرم العبد من ثمرة دعائه. فمن رحمة الله بالعباد أن بيّن لهم ما يُعينهم على القبول، كما حذّرهم مما قد يحول بينهم وبين إجابة دعواتهم. ومعرفة هذه الموانع باب عظيم من أبواب التوفيق، يحفظ المسلم من الوقوع فيما يحجب عنه الخير ويحرمه بركات الدعاء.

من أعظم موانع استجابة الدعاء أن يدعو الإنسان بإثم أو قطيعة رحم، فإن الدعاء حين يتوجه إلى ما حرّمه الله أو يكون سببًا لفساد في الأرض أو هتك للأرحام وقطع لصلة الرحم، يغلق باب القبول. فقد روى النبي ﷺ أنه قال: لا يزال يُستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم، مما يبين خطورة أن يُسخّر العبد دعاءه في معصية الله، فإن هذا من أعظم أبواب الحرمان.

ومن الموانع الخطيرة كذلك استعجال الإجابة، وهو أن يضيق العبد ذرعًا في انتظار القبول، فيقول متسخطًا أو مستعجلاً: دعوت فلم يستجب لي! وهذا الصنيع ينافي أدب الدعاء وحقيقته، إذ أن العبد المؤمن يعلم أن الدعاء عبادة في حد ذاته، وأن الإجابة قد تتأخر لحكمة يعلمها الله أو تُدخر لصاحبها في الآخرة، أو يُصرف عنه بها من الشر ما لا يعلمه. لذلك، يجب أن يصبر الداعي، ويداوم على الدعاء بيقين تام أن الله أكرم وأرحم من أن يرده خائبًا.

كذلك من موانع استجابة الدعاء أن يكون القلب غافلًا، لاهٍ، غير حاضر أثناء الدعاء. فإن الدعاء لا يكون مجرد كلمات تُقال باللسان، بل لا بد أن يواطئه القلب خضوعًا وإقبالاً وخشوعًا. فقد قال النبي ﷺ: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ، فحضور القلب وإقباله في لحظة الدعاء من أعظم أسباب القبول، إذ ينطوي فيه صدق العبودية وتمام الانكسار لله.

ومن أخطر الموانع كذلك أن تكون معيشة العبد قائمة على الحرام، سواء في مطعمه أو مشربه أو ملبسه، فإن الحرام يحجب البركة ويمنع القبول. وقد بيّن النبي ﷺ هذا بوضوح عندما قال: ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنى يُستجاب لذلك؟، رواه مسلم. فمع أن هذا الرجل أتى بجملة من أسباب القبول الظاهرة، من سفر وانكسار ورفع اليدين، إلا أن المانع الأكبر - وهو الحرام - حال بينه وبين الإجابة.

إن معرفة هذه الموانع ليست مجرد علم نظري، بل هي نور وهداية للمسلم لكي يراجع نفسه، ويطهر دعاءه وقلبه وماله، ويُقبل على ربه بخضوع وخشوع، خاليًا من كل ما يعكر صفو القبول. فإذا تحرّى المسلم هذه الأمور، كان أرجى لدعائه أن يصعد إلى السماء طاهرًا مقبولاً بإذن الله عز وجل.

ما هي آداب الدعاء ونصائح لقبوله

  • آداب الدعاء ونصائح لقبوله :الدعاء عبادة عظيمة تتطلب من العبد حسن الأدب بين يدي الله سبحانه وتعالى. ولتحقيق القبول، هناك آداب ونصائح ينبغي الالتزام بها، نعرضها فيما يلي:

  • البدء بحمد الله والثناء عليه : من أولى آداب الدعاء أن يبدأ العبد بحمد الله والثناء عليه بما هو أهله. فحمد الله قبل الدعاء اعتراف بفضله وجوده وكرمه، وتهيئة للقلب قبل الطلب والسؤال. وقد كان هذا دأب الأنبياء والصالحين.

  • الصلاة على النبي ﷺ في بداية الدعاء وختامه : بعد حمد الله، يُسنّ أن يصلي الداعي على النبي محمد ﷺ في أول الدعاء وآخره، لما في ذلك من تعظيم للرسالة وبركة عظيمة، وقد ورد أن الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى يُصلى على النبي ﷺ.

  • الدعاء بأسماء الله الحسنى : مما يُقوي الدعاء ويجعله أرجى للقبول أن يتوسل العبد بأسماء الله الحسنى وصفاته العلا، مستحضرًا معانيها، مقتديًا بقوله تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها}، فكلما دعا العبد بأسمائه ارتفع دعاؤه في مقام القبول.

  • التذلل والخضوع أثناء الدعاء : ينبغي أن يكون الدعاء مقرونًا بتذلل القلب وخضوع الجوارح، فيظهر الداعي انكساره بين يدي ربه، معترفًا بضعفه، مستشعرًا غنى ربه وجلاله. فالله سبحانه يحب من عبده أن يأتيه خاضعًا ذليلًا لا متكبرًا ولا معجبًا بنفسه.

  • الإلحاح وعدم استعجال الإجابة : من الأدب العظيم في الدعاء أن يُلح العبد على الله بالسؤال، ولا يملّ من تكرار الطلب، بل يكرر دعاءه بيقين وصبر. ويحذر من استعجال الإجابة بقول: دعوت فلم يُستجب لي، فإن تأخير الإجابة قد يكون لحكمة يعلمها الله، أو ادخارًا للعبد في الآخرة.

  • الإكثار من الاستغفار والتوبة : الاستغفار والتوبة من أهم مفاتيح إجابة الدعاء، فكلما كان العبد أكثر توبةً وإنابةً إلى الله، كان أقرب إلى رحمته واستجابته. فإن الاعتراف بالذنب والتطهر منه من أعظم أسباب فتح أبواب القبول.

  • الدعاء بظهر الغيب للآخرين : الدعاء للآخرين بظهر الغيب من الأعمال الجليلة التي يحبها الله، وقد جعل لمن دعا لأخيه نصيبًا من الدعاء، إذ يقول الملك للداعي: ولك بمثله، فما أعظم أن يحرص المسلم على الدعاء لإخوانه، فهو بذلك ينال دعوة مستجابة له ولغيره.